قادمٌ مِنْ الطعنة، ذاهبٌ إلى الدم | شعر

فنسينو بينتو، Getty

 

قادمٌ مِنْ الطعنة، ذاهبٌ إلى الدم

صعدنا التلّ

ولم يكنْ ثمّة ما ينتظرنا

نزلنا السفح

ولم يكنْ وسط الصمت

سوى صوت الحجارة

وهي ترتطم في خوذ الجنود.


*

 

هنالك حيوانٌ ضخمٌ يتدلّى مثل خوفٍ

مِنْ سقف غرفتي

وهنالك البحر

حيوانٌ أزرقُ يتدلّى مِنْ

بريد الغرقى

 

في جزيرتِكَ يا مورفيوس

لَنْ أجد علامة مديحٍ واحدة

ترفع مِنْ شأن آلامي

ولن أعثر على عتمةٍ أقسى مِنْ قلبي

حتّى عتمة البلّوط

القاسية

أقشّرها عندما أجوع

 

في جزيرتِكَ يا مورفيوس

ثمّة حيوانٌ غاضبٌ يتدلّى مِنْ

شجرةِ سروٍ فيكَ

كلّما سألتُهُ عن نفسِهِ، قال:

أنا الألم

أضيء مقتلَكَ

تحت طعنتي، أيّها البشريّ

كلّما استوثقتُهُ في نفسِهِ، قال:

كلّ حيوانٍ ضخمٍ يتدلّى مِنْ سقف غرفتِكَ

هو أنا،

ورويدًا رويدًا

سأكون هناك

حاضرًا مِنْ أجل وقوفِكَ الطويل

في طوابير اليأس

مِنْ أجل أن أراكَ، وسط هذا كلّه

تضيء مقتلَكَ تحت طعنتي

تفلتُ يدُكَ مِنْ يدي... مثل وداعٍ تائهٍ

لا يمضي معَكَ

ولا يمضي معي...

 

*

 

كم عليّ أن أبقى هنا، بعد كلّ ذاك؟

وكم عليّ أن أرمي الرمية ذاتها، بالأسى ذاته
 إلى قعر حياتي؟

انزلقي يا طرائد اليأس، إلى جحيمي

واغسلي عن يديْكِ، رميتي

اغسلي عظامَكِ

عن عظامي

واطْوِني، كصفحة الموت.

كلّ قلبٍ عليّ

كلّ قلبٍ معي

سيدخل البيت في النهاية، دون سلامٍ

متّجهًا صوب المدفأة، كي يجفّف

بقايا عظامِهِ مِنْ غُسْلِ

عظامي...

 

*

 

أتيتُ كشجرةٍ فقدتْ ساقها

في صراع حطّابين قدامى

وكانت النار

في انتظاري...

 

بِمَ فكّرتَ

وأنتَ تسلب الشجرةَ عمرَها

وكيف كبرتَ فجأةً

في صوت الشجرة المخنوق

أيّها اللهب؟

 

*

 

ليس لي أقدام سيزيف، ولا شجاعة جان دارك، والأسى لم يكن يومًا وجهتي، اندلقتُ إلى العراء مثلما تندلق الأغنية في أذنٍ صمّاء، ولم يكن في اللّهاث ما أبحث عنه... لا سعادة لأختبرها، لا حزن أركح إليه ظهري، ولا ندمٌ أمنحه قلادتي. مَنْ أنا؟ أقول لنفسي، قادمٌ مِنَ الطعنة، ذاهبٌ إلى الدم، آهٍ... كم هي عذبةٌ خطواتي، كم طريّةٌ دمعتي، وحكمتي تلك... المخلوعة مِنْ أرض الظنون.

 


 

هشام أبو عساكر

 

 

شاعر وصحافيّ من غزّة، صدرت له مجموعة شعريّة بعنوان «موتى يحكمون العالم» (الأهليّة، 2016)، وشارك في كتاب «أنطولوجيا الشعر الفلسطينيّ الراهن» (بوينتس، 2022)، كما له مجموعة شعريّة مشتركة بعنوان «يهتك النسيان مدينتنا» (البراق، 2012).